القواعـد العلاجيـة للانحرافات الجنسية | التوبة

التوبة هي: الرجوع من البعد عن الله إلى القرب إليه سبحانه وتعالى.

والتوبة النصوح هي : الإقلاع عن الذنب في الحاضر، والندم على ما بدر في الماضي، والعزم على عدم إتيانه في المستقبل([1])، ووعد جلّ وعلا من تاب عن ذنبه بالمغفرة فقال سبحانه: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾([2])، ولو كانت ذنوب العبد من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات، فإن الله سبحانه وتعالى يقبل توبته، بل ويبدّل سيئاته حسنات كما وعد جل وعلا : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)  وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ﴾([3]) .

واللــه عز وجل – يفرح بتوبة عبده فرحاً عظيما بينه رسول الله  ﷺ بقوله: «للـه أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة»([4]).

والتوبة واجبة على الفور لا يصح تأخيرها ولا تأجيلها؛ لأن المرء لا يدري متى يأتى الأجل، قال أبو بكر الواسطي رحمه الله   : «التأني في كل شيء حسن إلا في ثلاث خصال: عند وقت الصلاة، وعند دفن الميت، والتوبة عن المعصية».

ومن قصص التوبة فيمن زلّت قدمه وتجاوز العفاف الذي كان عليه في ساعة غفلة ما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي ﷺ  فقال: يا رسول الله، إني لقيت امرأة في البستان فضممتها إليّ وقبلّتها، فعلت بها كل شيء، إلا أني لم أجامعها.. فسكت النبي ﷺ ساعة فنزلت هذه الآية: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾([5])، فدعاه النبي ﷺ وقرأ عليه الآية، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يارسول الله أله خاصة أم للناس عامة؟ فقال النبي ﷺ: «بل للناس عامة»([6]).

ومن هنا وجب على المرء أن يبادر للتوبة فورًا إن زلت به قدمه ووقع في محظور أو معصية، أيّـًا كانت، سواءً كانت علاقة محرمة أو مشاهدة صور وأفلام إباحية أو غيرها من الخطايا، عليه أن يبادر بتحقيق شروط التوبة النصوح، وهو يرجو رحمة الله تعالى..  وهذه الشروط هي:

  1. أن تكون توبته خالصة لوجه الله تعالى. قال عز وجل : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ([7]).
  2. الإقلاع عن المعصية.
  3. الندم على فعل المعصية.
  4. العزم على عدم الرجوع إلى المعصية.
  5. إرجاع الحق لأصحابه إن كان الذنب بحقوق البشر.

ولو سقط في الذنب مرة أخرى دون قصد وإصرار، فعليه أن يعاود التوبة فالله جل وعلا يحب التوّابين ويحب المتطهرين الذين يداومون على التوبة مرة بعد مرة، وليحذر المرء من وساوس شياطين الإنس والجن، الذين يثنونه عن التوبة ويصعِّبونها عليه أو يثيرون اليأس من رحمة الله في نفسه، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم.

كيف السبيل للحفاظ على التوبة والاستقامة على أمر الله؟

يتساءل بعض التائبين عن ما يعانونه من تردد بعض الذنوب -التي كانوا عليها – في خواطرهم، ووقوع بعضها أحيانًا بها مرة أخرى، مما يشكّل حالةً من القلق النفسي والوساوس الشيطانية عن حقيقة توبتهم ومغفرة ذنوبهم، ويتساءلون كيف نستقيم على توبتنا ولا نعود لذنوبنا؟

إن الاستعانة بالله ـ تعالى ـ دومًا وصدق اللجوء إليه ــ جل وعلا ـ والإلحاح في الدعاء هو رأس الأمر، وأهم عوامل الثبات على التوبة كما علمنا ربنا ــ  جل وعلا ــ دعاء المؤمنين في كتابه العزيز:  ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾([8])، وقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾([9])، وقال سبحانه: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾([10]).

ومن الأمور التي تعين على تثبيت التوبة ما يلي([11]):

  • استصحاب شروط التوبة دائمًا، وتحقيقها في النفس دومًـا، من الندم على الذنب، والعزم على تركه والإقلاع عنه فورًا.
  • هجران البيئة التي تذكر المرء بذنبه من صحبة فاسدة أو أشرطة فيديو أو مواقع انترنت وغيرها من الأمور، فإن العودة لتلك البيئة مما يجدد ذكرى الذنب في نفس المرء، وفي قصة «قاتل المائة نفس» دليل على ذلك، حين أمره العالم بترك قريته الفاسدة والذهاب لقرية صالحة أخرى.
  • تجديد التوبة دائمًا والانتقال من صفة «التائب» إلى صفة «التوّاب» وهو الذي يُـكثر من التوبة ويُجددها دومًا، والله تعالى يحب «التوَّابين»، فلا ييأس التائب من تجديد توبته وإن وقع في الذنب دون عزم وقصد وإصرار فإن الله تعالى يقبل توبته ما دام يتوب ويستغفر، ورسول الله ﷺ كان يستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة يقول: «أستغفر الله وأتوب إليه».
  • الانتقال من الحالة النفسية العاطفية للتائب في أيامه الأولى من رقة وخشوع وبكاء على ذنبه إلى حالة «الاستقامة» التي ترسخ معالم التوبة في نفسه، وذلك بأن يتعاهدها بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل ويلتزم الأذكار والأدعية والصيام والصدقة؛ لتكون له أعمالاً وأورادًا يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية، فكلما ازدادت تلك الأعمال رسوخًا في نفسه، كلما ثبت على توبته واستقامته.
  • التزام الصحبة الصالحة التي تذكّره إذا غفل وتعينه على نفسه، فإن الانفراد والانعزال سببٌ لانتكاسة المرء عن توبته واستقامته.
  • الحرص على أداء الأعمال الصالحة المضادة لما كان عليه من ذنوب كارتياد المساجد بدلاً من الأسواق، وارتياد المحاضرات الدينية بدلاً من مقاهي الإنترنت، والنظر في كتاب الله بدلاً من قراءة المجلات الماجنة قال ﷺ: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها»([12]).
  • استدامة الذكر والاستغفار والإلحاح في الدعاء دومًا، كما كان هديُه ﷺ بدعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»([13])، فإنّ ذكر الله هو سبب الفلاح ومنبع طمأنينة القلب قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ([14])، وقال سبحانه:  ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾([15]).
  • تجنب مواطن الفتن وأسباب الانحراف ومقدماته لسد الأبواب أمام الشيطان في إغوائه للمرء وجر قدمه إلى المعصية، فإن سبيله لذلك هو الخطوة بعد الخطوة قال تعالى محذرًا عباده:  ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ ([16]) .

 

 

————————-

([1]) دليل السالكين، أنس إسماعيل.

([2]) المائدة : 39 .

([3]) الفرقان : 68 ــ 71 .

([4]) أخرجه البخاري (6308)، ومسلم (744)، عن عبد الله بن مسعود ﭬ.

([5]) هود : 114 .

([6]) أخرجه مسلم (2763)، والترمذي (3112)، عن عبد الله بن مسعود ﭬ.

([7]) النور : 31 .

([8]) آل عمران: 8.

([9]) غافر: 60.

([10]) الزُمَر: 36 .

([11]) باختصار من «رسالة التائبين»، جمعية الإصلاح الاجتماعي.

([12]) أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (5/ 153)، عن أبي ذر ﭬ، قال الترمذي: «حسن صحيح»، وحسنه الألباني.

([13]) أخرجه الترمذي (2140)، عن أنس ﭬ. وصححه الألباني .

([14]) الأنفال: 45 .

([15]) الرعد : 28 .

([16]) البقرة : 168 .