القواعد الوقائية لبناء العفة | قطع الخواطر الرديئة

يقول ابن القيم في «الجواب الكافي»: فإنها([1]) مبدأ الشر أو الخير، ومن الخواطر تتولد الإرادات والعزائم، ومن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه أغلب،ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منىً([2])، وأخس الناس همة وأوضعهم نفسًا من رضي من الحقائق بالأماني الكاذبة وتحلّى بها، وهي لعمر الله رؤوس أموال المفلسين ومتاجر البطالين، وهي قوت النفس الفارغة، وهي أضر شيء على الإنسان ويتولد منها العجز والكسل، وهي بذر الشيطان، فإذا تمكن من بذرها سقاها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.

وهذا ما يحدث للنفس الفارغة يقضي صاحبها وقته في التخيل والتوهم وأحلام اليقظة، فتبدأ شهوته بالإثارة فتجتمع معها الإرادة ثم العزيمة ثم يعزم على قضاء هذه الشهوة بما لا يرضي ربه عنه.. فأول الشر هي تلك الخطرات، ومن هنا لزم على المسلم أن يقطعها ويصرفها عن ذهنه في بدايتها قبل أن تستفحل.

يقول ابن القيم في كتاب «طريق الهجرتين» : «ودفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزًا أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صار إرادة جازمة، وهو المفرّط إذ لم يدفعها وهي خاطر ضعيف».

والخاطر كالطائر تراه يطير أمامك، فإن أهملته وتركته طار وأكمل طريقه، وإن اصطدته وحبسته بقي معك، فالخواطر لا ريب تمر على ذهن الإنسان، فمنهم من يتركها ويدعها تمر، ومنهم من يحبسها في عقله ويصطادها ليعيش معها في خيالاته وأوهامه.

فدافع الخاطرة قبل أن تصبح فكرة، فإن صارت فكرة فدافعها قبل أن تصير إرادة، فإن صارت إرادة فدافعها قبل أن تصير همة، فإن صارت همة فدافعها قبل أن تصبح فعلاً.

ومما يعين المسلم على قطع الخواطر الخبيثة ما ذكره ابن القيم في «طريق الهجرتين»: «فإن قلت: فما الطريق إلى حفظ الخواطر؟ قلتُ: «أسبابه كثيرة:

أحدها : العلم الجازم باطلاع الرّب سبحانه ونظره إلى قلبك، وعلمه بتفصيل خواطرك، والثاني : حياؤك منه، والثالث: إجلالك أن يرى مثل تلك الخواطــر في بيته([3])  الذي خلق لمعرفته ومحبته، والرابع: خوفك من أن تسقط من عينــه بتلك الخواطر، والخامس: إيثارك له أن تسكن قلبك غير محبته، والسادس: خشيتــك أن تتولد ويستعر شررها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله، والسابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحبَ الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها إنما هو حبّةٌ في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر، والثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصــلاً، بل هي ضدها مــن كــل وجه وما اجتمعتا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واسـتوطن مكانه، والتاسع: أن يعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلاً، فقلب تملكه الخواطر بعيدًا عن الفلاح مُعذّب مشغول بما لا يفيد».

وكما يقول الشافعي $ : «نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل».

ومن المعلوم علميًا أن الشهوة الجنسية تبدأ من المخ نتيجة التفكير، ومنه تنبعث الإشارات لاستثارة الأعضاء، فلذلك  كان من الأولى أن يوجه المسلم خواطره للأمور النافعة التي يستجلب بها مصالح دنياه وآخرته، ومنها:

1 ــ  التفكّر في آيات الله المنزلة وتفهمها ولذلك أنزلها الله تعالى.

2 ــ  التفكّر في آياته المشهودة في الكون.

3 ــ  التفكّر في آلاء الله وإحسانه ونعمه الكثيرة على جميع مخلوقاته، وهذه تثمر في القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه.

4 ــ  التفكّر في عيوب النفس وآفاتها وطريق إصلاحها.

5 ــ  التفكّر فيما بينه وبين ربه من طاعات وآداب.

6 ــ  التفكّر في الوقت وفي كيفية الانتفاع به.

7 ــ  التفكّر في تصريف أموره الدنيوية فيما لابد منه من معاشه وكسبه وأهله.

8 ــ  التفكّر في أحوال الإسلام والمسلمين.

9 ــ  التفكّر في معاملاته مع أقربائه وجيرانه وإخوانه المسلمين في واجبه وحقوقهم.

 

 ——————-

 

 

([1]) عن الخواطر التي ترد على ذهن الإنسان  .

([2]) منى: أي أماني ، جمع أمنية .

([3]) يقصد بالبيت: القلب الذي خلقه الله للعبد.