القواعد الوقائية لبناء العفة| الزواج
وهو الطريق الفطري الذي يحقق للطاقة الغريزية هدفها الإنساني، فضلاً عن تحقيقه للأنس والاستقرار والمتعة الحلال؛ لذلك فإن الإسلام ينبري للحث على الزواج وتسهيله وتيسير أسبابه، وإلى أن تتهيأ للشاب فرصة الزواج وأسبابه فإن الإسلام يدعوهم إلى الاستعفاف وهو علاج مقبول وطبيعي. كما قال المصطفى ﷺ: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن([1]) للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»([2])، وقال ﷺ: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق اللـه في النصف الباقي»([3]).
وقال ﷺ: « ثلاثةٌ حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» ([4]) .
وعن أنس بن مالك ﭬ قال: جاء رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألونه عن عبادة النبي ﷺ فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: أين نحن من النبي ﷺ وقد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم:أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبدًا، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء الرسول ﷺ ، فقال: «أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا؟.. أما والله أني لأخشاكم لله، وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»([5]).
وقال رسول الله ﷺ : « الدنيا متاع، وخير متاعها : المرأة الصالحة» ([6]).
فهذا هو أأمـن الطرق، فمن استطاع الباءة فلا يتردد في الزواج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج.
حكمه : وقد ذهب بعض العلماء إلى أن النكاح واجب على الجميع؛ لورود الأمر به في الكتاب والسنة ويستدلون على هذا بقولهم : «إن التحرز من الزنى فرض لا يتوصل إليه إلا بالنكاح، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضًا»([7]).
الزواج المبكر : في نداء الرسول ﷺ في الحديث السابق: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج..» ([8])، إشارة إلى التبكير في الزواج.
قال الإمام ابن حجر: «خص الشباب بالخطاب؛ لأن الغالب وجود قوة داعية فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ وإن كان المعنى معتبرًا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا»([9]).
يقول الدكتور فريدرك كير : كان البشر في الماضي يتزوجون باكرًا([10])، وكان ذلك حلاً صحيحًا للمشكلة الجنسية، أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر كما أن هناك أشخاصًا لا يتوانون عن تبديل خواتم الخطبة مرات عديدة، فالحكومات التي ستنجح في سن القوانين التي تسهل الزواج الباكر ستكون جديرة بالتقدير؛ لأنها تكتشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا».
وهذا هو دور الحكومات في أن تسهّل الزواج المبكر لشبابها بالمعونات المالية وإزالة العقبات والصعاب المادية، وإيجاد المؤسسات الاجتماعية التي تساعد الشباب على ذلك الأمر بالتوعية والحث وإزالة النظرات السلبية للزواج، كما هو دور أولياء الأمور بالمبادرة والمسارعة في تزويج أبنائهم. وعن ابن عباس ﭭ قال: قال رسول الله ﷺ : «من وُلِـدَ له ولد فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوجّه، فإن بلغ ولم يزوجّه فأصاب إثمًا، فإن إثمه على أبيه»([11]) .
كما أن على الشاب نفسه ألا يضع العقبات أمامه تجاه زواجه كالدراسة، والاستعداد النفسي، والشروط العديدة في الزوجة، وجمع المال، وغيرها من الأمور، وقد قال تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ … مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْعِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ([12]) ، والأيامى هم من لاأزواج لهم من رجال أو نساء.
قال القاضي أبو السعود في تفسير الآية: «إزاحة ما يكون وازعًا عن النكاح من فقر أحد الجانبين بألا يمنّعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة فإن في وعد الله عزوجل غنية عن المال فإنه غادٍ ورائح يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب».
ومن ثمرات الزواج المبكر :
1 ــ ضمان العفة النفسية والجسدية والوقاية من الانزلاق في الشهوات.
2 ــ الاستقرار النفسي والعقلي للشاب، مما يدفعه للبناء والإنتاج والعطاء بصورة أثقل.
3 ــ توثيق الروابط الاجتماعية وتحصين البيوت والأسر.
4 ــ السعادة في الحياة الزوجية، حيث يمهد الزواج المبكر فرصة للتفاهم بين الزوجين وموائمة طباعهما لبعضهما البعض.
5 ــ مجال لمباشرة تربية الأبناء، وذلك لقرب الأجيال بعضها لبعض، كما يكون الأب في أوجّ نشاطه وشبابه وعطائه التربوي لأبنائه.
———————————
([1]) أغض: أي أشد غضاً، أحصن : أي أشد إحصاناً له ومنعاً من الوقوع في الفاحشة ( فتح الباري جـ9/109).
([3]) أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان (5486) عن أنس بن مالك ﭬ، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 252) للطبراني في الأوسط عنه قائلاً: «رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، وفيهما يزيد الرقاشي وجابر الجعفي، وكلاهما ضعيف، وقد وثقا»، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (430).
([4]) أخرجه الترمذي (1655) عن أبي هريرة ﭬ، قال الترمذي: «هذا حديث حسن»، ووافقه الألباني.
([5])أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401)، عن أنس بن مالك ﭬ .
([6])أخرجه مسلم (1467)، والنسائي (3232)، وابن ماجه (1855)، عن عبد الله بن عمرو ﭭ.
([7]) التدابير الواقية من الزنى.
([9]) فتح الباري، ابن حجـر العسقلاني (9/ 108).
([10]) الباكر : لعله يقصد المبكر؛ لأن الباكر من أول النهار إلى طلوع الشمس، وهذا ليس المعنى المقصود، أما المبكر (الباكور ــ الباكورة) أول ما يُدرك من الثمر، والمعجل من كل شيء، وهذا هو المراد (المعجم الوسيط، مادة: بكر).
([11]) أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان (8666)، عن أبي سعيد وابن عباس ﭫ، وضعفه الألباني في الضعيفة (737).