تجارب وخبرات عملية للعفة

التدريب والممارسة العملية على مقاومة أهواء النفس، ومخالفة شهواتها بين الفينة والأخرى وفق منهج إسلامي تربوي.
وهذا مثال لمعالجة مؤمن لنفسه كيف يعظها ويعاتبها ويداويها من كتاب «التوبة» للمحاسبي: «فلما تبين له ذلك وعرف أن في طاعتها ( ) عطبه في يوم معاده، وأن عصيانها نجاته في آخرته، وأنها قد اعتادت سلوك طريق هلكته، فألزم قلبه العزم على تأديبها، والمواظبة على توقيفها، والإلحاح على معاتبتها، والدوام على موعظتها وتذكيرها ربها، وترداد ذكر عظيم خطرها، وأنها لابد لها من المصير إلى مولاها، فلم تمكنه من معاتبتها وأعرضت عما يقرعها به ويذكرها.
عزل النفس عن مواطن المعصية:
فكان أول ما بدأها من الأدب لتفهم وتعقل ما ألقي إليها( ): أن ألزمها الصمت وحال بينها وبين من يشغلها بحديثه، فلما لم تجد من تحادثه صمتت، فلما طال بها الصمت سكتت، فلما طال به السكوت تبين لها كثير مما كانت تخوض فيه من الخطأ والزلل، وانكسرت لما علمت أنها كانت خائضة في الباطل متعرضة لسخط مولاها.
إدمان معاتبتها وتخويفها:

ثم ابتدأ في معاتبتها وتقريرها بالسوء الذي صنعت وبما هي إليه صائرة عن قليل، فلم يزل يلحّ عليها حتى لانت واعترفت بذنوبها وأقرت بسوء صنعها ودوام غفلتها عن نجاتها، فأوجع ذلك ضميرها، فسالت دمعتها واستغفرت الله من سوء ما تقدم من صنيعها، ثم أخبرها أنه لا أمان عندها أن يكون ربها قد غضب عليها لما أسلفت من معاصيها فكيف تقيم عليها بعد ذلك. ؟! فأذعنت.
النفس تأبى مفارقة الشهوات:
فطهُر قلبه من الإصرار وأشرق واستنار وعاود النظر، وردد الفكر، وألحَّ بالفكر في الأسباب التي كانت النفس تنال بها معاصيها من الأصحاب، ومن الأهل، ومن القرابة والخلطاء الذين كانوا يعاونوها على الشهوات، فدعاها إلى قطع جميع ذلك ومباينته، وأخبرها أنها لا تصلح توبتها ولا تتوب إلى خالقها إلا بهجران ذلك كله، فنفرت، والتوت عليه وأبت. !!
علاجها بالصوم والتذكير:
فكسرها بإدمان الصوم، فانكسرت قوى طبعها الذي نالته من الاغتذاء بالطعام، فلما ألحَّ عليها بالجوع ذلّت وخشعت، فذكّرها عذاب الله وسوء المصير لمن أعرض عنه وتعرض لمقته فلانت له قليلاً، وسوّفـته ووعدته الترك لذلك عن قليل لتقضي بعض حوائجها، فحمل عليها بالوعيد، وألحَّ بالزجر والتذكير وعظم عندها الرب عز وجل وكرر عليها شدة نقمته وعظيم عقوبته.
الحنين إلى بعض الشهوات دون بعض:

فأذعنت وطاوعت إلى إجابته إلى قطع تلك الأسباب، وأبت أن تقطع باقي أسباب معاصيها، فأمسك عنها وهو مغموم بعصيانها فنوى أنها متى أرادت أن تتعرض للأسباب التي أبت أن تقطع أن يحجزها عنها، فلما قطعت بعض أسبابها واستبدلت بها أضدادها: من صاحب مرشد بدلاً من الصاحب المغوي، ومن تيقّظ وتذكّر بعد سهو وغفلة، ومن تثبت وفكرة بعد طيش وعجلة، والإدمان على مناجاة الرب ــ جل ذكره ــ بحلاوة تلاوة كتابه، والنظر في العلم من آثار نبيه ﷺ، وآداب الصالحين، واستبدل بعد كثرة الكلام صمتًا، وبكثرة اللحظ( ) إلى مالا يحبه مولاه غضًا( ) وبادر إلى ترك الكثير من شهواته التي تباعده عن ربه، فلما بلغ هذا اجتمعت أنوار ذلك في قلبه، فلما استشعر في قلبه ما وهبه الله ــ سبحانه ــ من نور طاعته والسرور بما همَّ به حَيِيَ قلبه وقوى عزمه وقهرت أنوار الطاعة هواه.