موقـف الإسـلام من الغريزة الجنسية

يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه: «منهج التربية الإسلامية» : بعد أن أوضح أن الإنسان في نظر الإسلام فيه كيان مادي له حاجاته فيستجيب الإسلام لتلك الحاجات وينظم إشباع الإنسان لتلك الحاجات: «وفي الوقت ذاته يؤمن بالكيان الروحي للإنسان يؤمن بأن فيه نفخة من روح الله، ويؤمن بما لهذا الكيان الروحي من مطالب وما يشتمل عليه من طاقات فيعطيه ما يطلبه من عقيدة ومثل وصعود وترفع، ويجنّد طاقاته في إصلاح كيان النفس، وإصلاح شرود المجتمع، وإقامة الحق والعدل الأزليين بأن يصله بالله».

ثم يقول : «حين تطغى على الإنسان شهوة من شهواته، شهوة مال أو شهوة جنس أو شهوة قوة أو شهوة سلطان، فذلك اختلال في باطن نفسه لا يسعده في الحقيقة وإن بدا له في أول الأمر أنّه مستمتع وراض وسعيد، إنما هو في الواقع في شقوة دائمة ؛ لأنه قلق على ما عنده وراغب في المزيد، ثم هو اختلال في واقع الحياة، فكل شهوة زائدة على الحد لا تجرف صاحبها وحده، وإنما تصيب غيره من الناس في الطريق، تصيبهم بعد أن يقع عليهم لا محالة من هذه الشهوة التي تجاوزت الحدود».

ومن منطلق هذا التصور يعتبر الإسلام الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية التي يجب أن يتم تصريفها في الحدود التي شرعها الله، والتي من أجلها أودع هذه الغريزة في الإنسان، «وإن الفطرة التي خلقها الله جعلت في استخراج هذه الطاقة الفطرية لذة ممتعة، ولكنها لم تجعل هذه اللذة هدف الاستخراج المحض، بل حدد الإسلام لها أهدافًا سامية».

وإن من الأهداف التي يجب أن يحققها إفراغ الشــحنة الجنســية في الحياة الإنســـانية:

  • عقد أواصر المودة والرحمة بين الرجل والمرأة، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْمِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ([1]) .
  • تكوين الأسرة موطن الراحة والاستقرار، ومصنع الأجيال والشعوب، ومبعث المسؤولية، فالرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها، ومسؤولة عن رعيتها وهما معًا راعيان في المجتمع ومسؤولان عن رعيتهما، ينشدان لها الخير ويحققان لها السعادة: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَامِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾([2]) .
  • استمرار النوع وتكاثر النسل وعمارة الحياة، وهذا سُنَة الكون وفطرة الحياة التي فطر الناس عليها.
  • تحقق النفعين الحسي والنفسي من إفراغ الشحنة الجنسية ([3]).

ولخطورة انحراف هذه الغريزة وسهولة قبول النفس الأمارة بالسوء لهذا الانحراف، بل وسعيها أحيانًا إليه، كان تحذير الإسلام وعنايته بهذا الأمر.

فأوضح الإسلام أن صون الفرج من صفات ورثة الفردوس، وأن من يتعدى حدود الله في هذه الشهوة فهو من العادين المعتدين على شرع الله، لن يناله الفلاح والخير لا في الدنيا ولا في الآخرة، فقال الله تبارك وتعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5{ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6}فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ  ﴾([4]) .

وفي آخر هذه الآيات ذكر الله تعالى أن هؤلاء: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ([5]).

وهذه الآية تتضمن ثلاثة أمور : أن من لم يحفظ فرجه لم يكن من الفالحين وأنه من الملومين ومن العادين، ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع في اللوم.

ويقول الرسول ﷺ : « من ضمن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة»([6])، وفي رواية: «اضمنوا لي ستًا أضمن لكم الجنة»، ثم ذكر منها:«احفظوا فروجكم»([7])، وقال ﷺ أيضًا: « أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج » ([8]).

وحذر الإسلام أشد تحذير من مقاربة الزنى والتحذير من مقدماته فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾([9]) .

وتوعد بالعذاب المضاعف لمن يقترف الفاحشة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا  ﴾ ([10]) .

وفي الصحيحين في خطبة الرسول ﷺ لصلاة الكسوف: «يا أمة محمد، ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، ياأمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا»، ثم رفع يديه وقال: «اللهم هل بلّغت»([11]) .

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملكٌ كذّاب، وعائلٌ مستكبر»([12]).

وبيَّـن الإسلام أن في الانحراف استجلاب لغيرة الله سبحانه وتعالى ، ففي الحديث: «إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن حرم الله»([13]).

ولذلك فقد تشدّد الإسلام في عقوبة الزنى وجعلها من أقسى العقوبات، ففي الحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ([14]).

«وأما عقوبة اللوطي فهي القتل كذلك إما رجمًا أو قتلاً، أو أن ينظر أعلى بناء في المدينة فيرمى منه منكسًا ثم يتبع بالحجارة»([15]) .

وعذاب الآخرة أشد وأبقى لمن اقترف هذه الفاحشة، حيث رأى رسول الله ﷺ في رؤياه تنورًا فيه نساءٌ عاريات ورجالٌ عراة وهم في صراخ وعويل والنار تحرقهم حرقًا وكلما نفخت فيه علت صرخاتهم وصياحهم، وهكذا أبد الآبدين، فلما سأل الملكين قالا: «فإنهم الزناة والزواني»([16])، لذلك شرع الإسلام لأفراده فضيلةً من أعظم الفضائل، وهي الاستعفاف، ورغبهم فيها ربهم من فوق سبع سماوات، فقال تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ ([17]) .

هذه الدعوة القرآنية إلى العفة تربية نفسية كريمة تقوي في نفوس الشباب الإرادةَ ، وتسبغ على قلوبهم الطهارة، تسمو بها أرواحهم وتطمئن بها نفوسهم ويسلم بها إيمانهم([18]).

كما شرع الإسلام كثيرًا من الآداب الشرعية، التي هي بمثابة أسوار الوقاية ضد تلك الفاحشة، فشرع آدابًا للاستئذان وآدابًا للنظر وحذر من الاختلاط والخلوة بالأجنبية، وشرع الحجاب ورغَّب في الزواج بما يكفل سلامة الفرد ونقاء المجتمع وطهارته. وأنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة في القرآن، هي تربية ربّانية لتهذيب الغريزة الجنسية.

وهذا جدول يبين الآيات التي تربي المؤمن على الآداب الشرعية السابقة في سورة النور ([19]) :

الموضوع الآيات من سورة النور
التحذير من الزنى 33،32
آداب الاستئذان وأحكامه 59،58،29،28
غض البصر 31،30
حفظ الفرج وصونه 31،30
الحجاب 60،31
العفة والحث عليها 60،33
التحذير من إشاعة الفاحشة 19

وبما أن منطلق الانحراف والاعوجاج في الغريزة هي النفس، كان لابد من التعرف عليها وعلى أقسامها وحقيقتها ومظاهر الانهزام أمامها.

 

 

————————————————————————————-

([1]) الروم: 21 .

([2]) الفرقان: 74 .

([3]) الإسلام والجنس، د. فتحي يكــن.

([4]) المؤمنون: 1ــ7 .

([5]) المؤمنون : 10، 11 .

([6]) أخرجه البخاري (6474) عن سهل بن سعد  ﭬ .

([7]) أخرجه أحمد (5/ 323)، وابن حبان في صحيحه (271) ، عن عبادة بن الصامت  ﭬ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1018).

([8]) أخرجه الترمذي (2004)، وابن ماجه (4246)، وأحمد (2/ 291)، عن أبي هريرة  ﭬ ، وحسنه الألباني.

([9]) الإسراء: 32 .

([10]) الفرقان : 68، 69 .

([11]) أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901)، عن عائشة ڤ.

([12]) أخرجه مسلم (107)، والنسائي في الكبرى (7138)، عن أبي هريرة  ﭬ .

([13]) أخرجه البخاري (5223)، ومسلم (2761)، عن أبي هريرة  ﭬ .

([14]) أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، عن عبدالله بن مسعود ﭬ.

([15]) روضة المحبين، لابن القيم.

([16]) أخرجه البخاري (7047)، وأحمد (5/ 8 ـ 9)، عن سمرة بن جندب الفزاري ﭬ .

([17]) النور : 33 .

([18]) مسؤولية التربية الجنسية، عبدالله ناصح علوان.

([19]) أنصح بالرجوع لكتاب « في ظلال القرآن»  و« تفسير ابن كثير» للاستفادة من تفسير هذه الآيات ومعرفة الأحكام المتعلقة بها.