أسباب الانحراف الخُلقي ومعوقـات الاسـتعفاف| شبكة الإنترنت ووسائل الاتصالات ودورها في الانحرافات الاخلاقية
يُطْلَق على شبكة الانترنت اسم «الشبكة العنكبوتية» التي هي من السمات البارزة لهذا العصر، ولهذه التسمية إيحاءٌ في إطلاق مسمى العنكبوت على شبكتها يؤكد صدق هذه التسمية، فالذي يقع في براثن المواقع والمنتديات الجنسية الإباحية هو في الحقيقةِ كتلك الحشرة التي تقع فريسة للعنكبوت حين تسقط في شبكتها اللاصقة والتي لا تستطيع الهروب والفكاك منها.
هذه الشبكة التي يتضاعف عدد مستخدميها في التسعينيات من «القوقل» القرن الماضي كل مائة يوم، أما في الوقت الحاضر فقد أشارت إحصائية تؤكد أن عدد الصفحات في شبكة الإنترنت فاق 8 مليار صفحة، وتقول شركة Income &NEC أن عدد المواقع قارب ملياري موقع بمعدل 540 موقعًا في الساعة.
ولا شك أن شبكة الإنترنت تحوي مواقع مفيدة، كما أنها أدت للبشرية خدمات ما كانت تخطر ببال أحد قبل عشرين عامًا فقط، في إطار الاتصالات والتواصل بين العالم حتى فشت مقولة أن «العالم أصبح اليوم قرية صغيرة»، وإنما الحديث هنا عن الآثار الأخلاقية المدمرة لتلك الشبكة، نظرًا للانفتاح الهائل والإمكانات الرهيبة التي توفرها لمن يريد الدمار والإفساد للبشرية.
ويمكن أن نجمل الأساليب الإفسادية المستخدمة في شبكة الإنترنت كما يلي:
1ــ عرض الصور والأفلام الإباحية :
وقد انتشرت المواقع التي تعرض تلك الصور والأفلام مقابل أجور أو مجانًا كانتشار النار في الهشيم، وانحدرت في أتون مستنقعات الخلاعة والمجون والجنس إلى درجة انحطاط لم تبلغها البشرية عبر تاريخها قط، حيث تجاوزت كل الحدود وحطمت كل القيود وأصبحت تجارة رائجة في أسواق السعار الجنسي!!
فقد بلغت الأموال المنفقة في الدخول على الصفحات الإباحية 3 مليار دولار عام 2003م ، وقامت إحدى الشركات بدراسة عدد الزائرين لتلك الصفحات الإباحية، فوجدت أن بعضها يزوره حوالي 300 ألف زائر يوميًا ، وأن أحدها زارها خلال عامين 44 مليون زائر ، وأن أحد المواقع لديه 300 ألف صورة خليعة تم توزيعها أكثر من مليار مرة ([1]).
فهل لنا أن نتصور حجم الهدم الأخلاقي والإفساد الذي تسببه تلك المواقع، والتي لا تقتصر على الصور بل تعرض الأفلام الخلاعية، وتجاوزت الأعمار لتصل إلى الأطفال والناشئة، حيث تخصصت مواقع في عرض أفلام الكرتون الجنسية إمعانًـا في الإفساد والتدمير للكيان البشري.
2 ــ منتديات الحوار :
وهي التي يراد لها أن تكون منتديات للتواصل الثقافي بين البشر، إلا أن شياطين الإنس أبَوا إلا أن يتحول جزء منها لنشر الرذائل وتبادل الصور والأفلام الإباحية والمواقع الجنسية.
3 ــ التراسل والتخاطب الإلكتروني :
فقد جنح أولئك الشياطين بهذه الأداة النافعة في التواصل والاتصالات بين البشر؛ لتكون أداةً شيطانية في تكوين العلاقات المحرمة وتبادل المواقع الإباحية واستدراج الآخرين للوقوع في شراك الولوج في مستنقع الجنس، وخطورة هذا الأسلوب هو في وصول مادة الفساد إلى أناس لا يرغبون به ولا يقصدونه بتعاملهم مع الإنترنت ، فكثيرًا ما يجد أولئك المستخدمين رسائل قد تدعوهم للاطلاع على مواقع مفيدة وإذا بها مواقع هدّامة أو رسائل متبادلة للتعارف وتبادل الصور، وكم مأساة حدثت لشباب من الجنسين، ورجال متزوجين، ونساء متزوجات، دمرت أخلاقهم، وهتكت أعراضهم، ودنست شرفهم، وهتكت أستارهم، لاسيما في مراسلات التعارف والصداقة، أناس على شرف وعفاف واستقامة استدرجتهم تلك الصفحات والمراسلات حتى وقعوا في شراك العلاقات المحرمة بعد دخولهم لما يسمى بـchat ، قصص مؤلمة، وأحداث مؤسفة نتيجة التساهل.. والفضول.. والرغبة في مسايرة الآخرين.. والخديعة بالكلام المعسول.
الآثار الأخلاقية المدمرة لسوء استخدام الإنترنت:
مما يضاعف الآثار السلبية لاستخدام شبكة الإنترنت أنها أداة تواصل وتبادل وتفاعل، وليست أداة مشاهدة وسماع فقط، وهذا من شأنه أن يوسّع من تأثيرها المباشر والفاعل على من يقع فريسةً للممارسة الخاطئة لتلك الأدوات .
ويمكن إجمال الآثار السلبية للإنترنت كما يلي :
- فتح باب الإفساد الأخلاقي والجرائم الأخلاقية، إذ إن الإباحية تستفزّ كوامن الغريزة الجنسية بشكل حاد ومثير تدفع المرء دفعًا لتفريغ هذه الشحنة الآثمة بأي طريق؛ لذلك فقد أصبح من المعلوم أن هناك تلازمًا بين الجرائم الجنسية ومشاهدة المواقع الإباحية، ففي بحث للدكتور «مارشال» اعترف 68% من مرتكبي جرائم الاغتصاب بأنهم يشاهدون المواد الإباحية، وقال 57% منهم أنهم يقلدون ما رأوه في تلك المشاهدات.
- الإدمان على مشاهدة المواقع الإباحية واستخدام الأدوات المتاحة للتواصل، حيث لوحظ على مستخدمي الشبكة ظاهرة الإدمان والتعلق الكبير والمكوث ساعات طوال أمام الجهاز، مما أثر بوضوح على الصحة النفسية والاجتماعية والبدنية لهم، ناهيك عن التفريط بأداء الحقوق التعبدية ([2]).
- التردي الأخلاقي المتتابع في الشهوات المحرمة والممارسات الجنسية الشاذة؛ إذ إن الذي يُقبل على تلك المواقع سيجد نفسه أسيرًا لها ينتقل من درك إلى ما هو أسفل منه من السقوط والانحدار الأخلاقي، فإن الارتواء لن يتحقق لديه، فهو دائم البحث والتطلع لما هو مختلف وأكثر إباحية وإثارة، إذا لم يتدارك نفسه ويتوب إلى الله من هذا الفعل الشائن.
- التوسع الكبير لدائرة المتأثرين والساقطين في هذا الوحل، لا سيما بوجود صحبة السوء ومقاهي الإنترنت التي فتحت الأبواب على مصراعيها للشباب والنشء ممن لا يتمكنون من التعامل مع الإنترنت في بيوتهم فوجدوا في تلك المقاهي مرتعًا للدخول على تلك المواقع الآثمة، ويدل على ذلك تضاعف عدد تلك المواقع الآثمة وتضاعف عدد زوارها.
إن هذه الشبكة أوسع باب لانتهاك العفاف وتدمير الخلق ونسف القيم الخلقية وإبعاد الناس عن ربهم ودينهم ، وما لم يعتصم المرء بالله ــ تعالى ــ ويلجأ إليه بعد تدبر وتأمل صادق في ما ترديه إليه تلك الشبكة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة والفضيحة يوم القيامة، فإنه سيكون أسيرًا لها متحملاً أوزارها مدمرًا بسهامها، وصدق الله العظيم حين يقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾([3]).
وسائل الاتصالات الحديثة :
لقد أنعم الله ـ تعالى ـ علينا في هذا العصر بنعمة تيسير سبل الاتصال بين البشر، ومعلوم ما يتحقق من وراء ذلك من المنافع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولكن ــ وكما أشرنا في موضوع الإنترنت ــ يأبى شياطين الإنس التي تؤزهم شياطين الجن أزًا إلا أن يبدلوا نعمة الله كفرًا ويحلّوا قومهم دار البوار ، فتتحول تلك النعمة إلى نقمةٍٍ.
صور الاستخدام السيئ لأجهزة الاتصال:
- المعاكسات الهاتفية: حيث يلجأ البعض ــ من الجنسين ــ إلى نصب شراكه عن طريق الاتصال بأرقام عشوائية، فربما نجح في تكوين علاقة وصداقة مع المتكلم من الطرف الآخر.
- تكوين الصداقات المحرمة بين الجنسين: إذ إن وجود الهاتف في جيب الفتى أو الفتاة يحرره من أي رقابة منزلية، فهو يتصل بمن شاء، ويستمع لمن شاء دون قيد ولا شرط ولا رقابة، وانتشرت في الأسواق تبعًا لذلك ظاهرة تبادل الأرقام بين الشباب من الجنسين، ولاشك في أن ذلك قــد ســاهم في رفع الضوابط الأخلاقية والاحتشام والحياء ــ خصوصًا من جانب الفتيات ــ وتشجيع بعضهن البعض على التهاتف مع الجنس الآخر وبروز ظاهرة الصداقة بين الجنسين التي ذاقت منها مجتمعاتنا العربية والإسلامية الويلات.
- إرسال الرسائل الهاتفية وما تحتويه تلك الرسائل من عبارات الغزل وخدش الحياء.
- البلوتوث: وهي التقنية التي تسمح بتبادل الصور ولقطات الفيديو عن طريق الهواتف النقالة، وللأسف فقد أصبحت من أدوات إفساد الأخلاق، لاسيما بعد أن زودت أجهزة الهواتف بالكاميرات.
ففي دراسة أجريت على 1200 فتاة عربية ما بين سن 18 إلى 25 عامًا بعنوان (البلوتوث والفتيات) اتضحت النتائج التالية:
ــ 82 % يتعاملن بِخِدمَة البلوتوث باستمرار ، 11% مبتدأ حديثًا، و6% تركن البلوتوث ، وا% فقط لا يعرفنه.
ــ 73% من الفتيات لا يخشون الرقابة عليهم.
ــ 85% يعتقدن أن البلوتوث أصبح أداة تعارف آمنة بين الجنسين.
ـ 99 % يعتقدن أن البلوتوث كسر حاجز المحرمات الاجتماعية، والعادات والتقاليد([4]).
وذكر أحد المستشرقين على منتدى متخصص في فضائح البلوتوث وأفلامه الإباحية، أن المسجلين لديه من دول الخليج عشرون ألفًا!! وأن مشاركات المنتدى بلغت أكثر من 70 ألف ملف بلوتوث وأكثر من نصف مليون رد واقتباس([5]).
أين من يستخدم تلك الأداة العابثة من قول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾([6]).
أين هو من حديث المصطفى ﷺ: « من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا » ([7]).
هل تفكر للحظة أن تلك اللقطات الفاحشة التي تُرسلها والتي يتزايد ملتقطوها ومروجوها بمتوالية هندسية يتضاعف أعدادهم مع مرور الزمن، أي أن أوزار هؤلاء سيُلقى على ظهره يوم القيامة.. ؟!
———————————————————————————————-
([1]) مجلة الأسرة، العدد (147) .
([2]) فتاة اتصلت بأحد الدعاة تشكو إليه حالها من الضياع، حيث أعطت أخاها جهاز الحاسوب الخاص بها، فاستخدمه مع أصدقائه، ثم أعاده إليها ولما فتحته رأت ما لم تره عيناها أو أن تتخيل من الصور الخليعة والأفلام الإباحية، تقول: «عندها طار عقلي، وجرح فؤادي، وتدنست عفتي، وتلوث شرفي، ولم أصل صلوات العصر والمغرب والعشاء، ثم وقعتُ في حبائل الشيطان.
([4]) البلوتوث، عادل بن عبدالله العبدالجادر .