أسباب الانحراف الخُلقي ومعوقـات الاسـتعفاف| أثر حركة التغريب والعولمة على الانحرافات الاخلاقية
الدين مصدر الأخلاق، والانحراف عن الدين يتبعه بالضرورة انحراف خُـلقي، وقد بدأ الانحراف الـخُـلقي الأوروبي عندما اتجهت النهضة الحديثة اتجاهًا ماديًا لا دينيـًا، وعندما أصبحت الأخلاق خاضعة لمعايير الفلسفة فأصبحتْ مُثُـلا معلقةً في الفضاء.
وعندما ظهرت «الميكافيلية» والتي تعني بأن الغاية تبرر الوسيلة، وأصبحت هي قاعدة السلوك الغربي، وعندما تمكنت الرأسمالية المادية من استغلال البشر الاستغلال البشع لخدمة المادة ، وعندما انفصل السلوك الجنسي عن القضية الأخلاقية بهدي التفسير الحيواني للإنسان عند «داروين» والتفسير الجنسي عند فرويد([1]).
وبهذه المبادئ الضالة بدأ ــ وللأسف ــ بعض من بني جلدتنا ممن تربوا في أحضان الغرب ورضعوا من لبنه (المخالف للفطرة).. ينادون «بمرض» التقليد والتبعية الفردية والجماعية للغرب في طريقة الحياة الشخصية وأسلوب الحكم والمناهج التربوية والفكر الاقتصادي، وفي أساليب الحياة الاجتماعية، وكان مما دعوا إليه :
1 ــ الترويج للفن والفنانين، وصرف هموم الأمة إلى أولئك، سواء كانوا ممثلين أو مغنيات أو راقصات، وتتبع حتى التوافه من أخبارهم، والدعوة لإحياء حفلات الرقص الغربي المختلط.
2 ــ تحرر المرأة وتبرجها ومطالبتها بالخروج سافرة متزينة بحجة مشاركة الرجل «الظالم لها» ومن دعاتها قاسم أمين، وتمادت تلك الدعوات حتى ظهر الترويج لمذهب العري الذي دعت إليه مجلة الهلال عام 1931م.
3 ــ الدعوة لإقامة المسابقات العديدة، كمسابقات الجمال، ومسابقات جمال السيقان! وعروض الأزياء المختلفة، ومسابقات الفنون الجميلة التي كانت الفتاة تقف فيها عارية أمام الشاب، بحجة رسمها في مواضع مختلفة.
4 ــ الدعوة لحرية الفن وكسر القيود أمامه، ومن دعاتها طه حسين ([2]).
5 ــ الدعوة إلى أن العالم لا يحتمل إلا مدنيـة واحدة وحضارة واحدة وهي الحضارة الغربية، ومن دعاتها أحمد أمين في «السياسة» الأسبوعية ومنها نشأت فكرة أن المسلمين لن يتقدموا إلا بالحضارة الغربية.
وإذا أردنا أن نتعرف على منابع تلك الأفكار الهدامة، وعلى حقيقة دوافع حركة التغريب في هدم الأخلاق لنستعرض معًا الأقوال التالية للغربيين:
يقول أحد أقطاب هؤلاء المستعمرين: «كأس وغانية تعملان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات».
وقال القس «زويمر» في مؤتمر المبشرين: «.. إنكم أعددتم نشئًـا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الجديد الإسلامي طبقًا لما أراد له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يعرف همةً في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات».
هذا دور النصارى ، أما اليهود (أسياد الدمار الأخلاقي) فإليكم ما يقولونه في البروتوكول التاسع : «وقد تمكنوا من تضليل غير اليهود وإفسادهم خُـلُـقيًا ، وحملهم على البلادة عن طريق تعليمهم المبادئ التي نعتبرها نحن باطلة على الرغم من إيحائنا بها».
ويقولون أيضًا في البروتوكول الثالث عشر: «ولكي نبعد الجماهير من الأمم غير اليهودية عن أن تكشف بأنفسها أي خط عمل جديد لنا ، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب وهلم جرا، وسرعان ما نبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى من كل أنواع المشروعات كالفن والرياضة».
ومما جاء في هذه البروتوكولات ما يلي : «يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا. إن فرويد منا، سيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه»([3]).
وتأتي الـماسونية كإحدى أخطر الحركات الهدّامة في العالم الإسلامي، والتي جعلت من نشر الانحلال الخلقي وسيلة لتحقيق أهدافها المشبوهة والتي يمكن أن نوجزها فيما يلي:
- محاربة الدين الإسلامي وإبعاد الشباب المسلم عن مواصلة تعاليمه الدينية والدعوة للتغريب.
- نشر الانحلال الخلقي من خلال الوسائل الإعلامية واستخدام الجنس والموضوعات الجنسية، فالجنس هو أقصر الطرق لمحاربة العقيدة الإسلامية، وإن أقصر الطرق المؤدية للجنس هو كلمة «حب»؛ لذا كان الاهتمام الواضح بالمسرحيات والأفلام العاطفية ونشر القصص الغرامية.
- تشجيع تجارة الخمور والمخدرات مع التظاهر بمحاربتها.
- السيطرة على وسائل الإعلام وخاصة الصحافة لتضليل الجماهــير، وإقامة المسابقات والحفلات الغنائية.
- الحط من شخصية علماء الدين الإسلامي وخاصة رجال الأزهر، ومهاجمة الجماعات الإسلامية ومناصبتها العداء.
- تشجيع اللغة العامية.
- تشجيع التنظيمات السرية الماسونية وأنديتها المعروفة باسم «الروتاري» و«الليونز»([4]).
هذه بعض الأهداف الرئيسة للماسونية العالمية، وما على القارئ إلا أن يتمعن فيها، ثم لينظر حوله وليرَ مـا يدور فعلاً في بلادنا الإسلامية.
أما العولـمة التي بدأ التبشير بها في التسعينيات بأنها القدر المحتوم والقطار الذي يجب أن نركبه، وإلا فاتنا ركب الحضارة والتحديث ، فلا يخفى على أحد تأثيراتها الثقافية والاجتماعية والأخلاقية المصاحبة لتأثيراتها الاقتصادية، وأصبحت قضايا «الغزو الثقافي» و«تهديد الهوية» تداعيات لأزمة العولمة ، ويلحظ المراقب التغيرات السلوكية والقيمية وأنماط المعيشة التي برزت في أوساط الشباب تحاكي النموذج الأمريكي والغربي مما يشكل أرضًا خصبة لممارسة وتقبل أنماط الحياة الغربية في العلاقة الجنسية والحرية الشخصية المطلقة.
ومن أدوات العولمة ذات الأثر الواضح اجتماعيًا وأخلاقيًا المؤتمرات (أو بالأصح المؤامرات الدولية) التي تعقدها الأمم المتحدة حول السكان والمرأة، كمؤتمر ما يسمى «الجنس الآمن» الذي عقد في بكين عام 2005م ونيويورك وغيرها من العواصم العالمية، وتوضع غالبًا لهذه المؤتمرات شعارات خادعة مثل «حماية الأسرة» في حين تسعى موضوعات المؤتمر وتوجهاته لتعليم الجنس للشباب، وطرق العلاقات الجنسية، وأساليب الشذوذ الجنسي، واعتبار الشذوذ والحمل خارج الزواج والعلاقات الجنسية أمرًا غير محرم.
ومن الوسائل الماكرة لهذه المؤتمرات تبديل المصطلحات بما يجعلها مقبولة، لاسيما في البلدان ذات الثقافة المغايرة للثقافة الغربية مصطلح (تعدد الشركاء الجنسين) بدلاً من (الإباحية والتحلل) و(العاملات أو العاملون بالجنس التجاري) بدلاً من (الداعرات ــ الفاجرات ــ فتيات الليل ــ بائعات الهوى) ([5]).
كل تلك المؤتمرات ؛ ليكون المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، وليبدّلوا كلام الله تعالى، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فبدلاً من أن توصي تلك المؤتمرات بالعفة والإحصان والزواج كعلاج للأمراض الجنسية والجرائم الجنسية المنتشرة والمتزايدة في العالم ، فإنهم يوصون بالتوعية بأساليب الجنس الآمن سواء مع الجنس ذاته أو الجنس الآخر!!
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾([6]).
————————————————-
([1]) بتصرف من كتاب : الشباب المسلم والحضارة الغربية، حسن حسن سليمان.
([2]) الشباب المسلم والحضارة الغربية، حسن حسن سليمان، مرجع سابق.
([3]) تربية الأولاد في الإسلام ، عبدالله علوان.
([4]) الأستاذ كامل الشرقاوي، جريدة القبس الكويتية، 3/8/1988م.