أسباب الانحراف الخُلقي ومعوقـات الاسـتعفاف | الوسيلة السادسة: الفضائيات
من الوسائل الإعلامية الأكثر حدة في تأثيرها الأخلاقي اليوم هي تلك القنوات التلفزيونية الفضائية التي كسرت كل حاجز، وتجاوزت كل محظور، وهدمت كل فضيلة، فضاء مملوء بتلك القنوات التي تلج البيوت دون استئذان، وتعرض كل غث وسمين، وتعرض ثقافة الغرب والشرق وإباحيته على بلادنا ، ثم سارَ في نفس الدرب قنوات فضائية عربية جعلت بضاعتها العري والانحلال الأخلاقي، والغناء الهابط المصحوب بالرقصات الخليعة (ما يسمى بالفيديو كليب).
فمنذ انطلاق أقمار (عرب سات) عام 1976م و(نايل سات) عام 1996م وهناك طفرة ضخمة في أعداد الفضائيات العربية والتي تبلغ 400([1]) فضائية تخصص بعضها في الرقص والغناء والخلاعة والمجون وبرامج الواقع، كما تسمى «كستار أكاديمي» التي لا يَـقِـلُّ خطرها عن الأفلام الإباحية إذ هي تهدم ما تبقى للأمة من قيم، وتعرض نموذجًا لما ينبغي أن يكون عليه شباب الأمة من صداقات مفتوحة وعلاقات مشبوهة.
وفي دراسة عن «استخدامات الشباب العربي للقنوات الفضائية وتأثيراتها عليهم» كشفت أن 100% من الشباب العربي يشاهدون الفضائيات وأن 43% يشاهدونها بشكل دائم ، كما اتضح أن هناك أكثر من 5 آلاف قناة تصل إلى العالم العربي منها 800 قناة غير مشفرة.. ! ! ([2]).
وفي تحقيق لأحد المجلات عن أثر القنوات الإباحية جاءت ردود بعض الشباب كما يلي :
ــ «تأثيرها كبير في تعليم الشباب الوقاحة».
ــ «القنوات الإباحية داء أصاب الشباب ويجب محاربته ، وأنا ألقي باللوم أولاً وأخيرًا على الأهل ، لو كانت هناك مراقبة لما تعرض الشباب لهذه المشكلات».
ــ «الخطأ ليس من الأهل وإنما في الشباب أنفسهم ، يجب أن تكون لديهم مراقبة ذاتية، حتى لا يقعوا في شباك القنوات الإباحية»([3]).
ومن القصص ذات العبرة عن هؤلاء الشباب أن أحدهم أغلق على نفسه الباب لكي لا يراه أحدًا وأخذ يشاهد إحدى القنوات الإباحية ، ولكنه كان على موعد لم يحسب حسابه أبدا.. كان موعدا مع ملك الموت الذي قبض روحه وهو على خاتمة السوء وهو يشاهد تلك القناة ، ولم يُـفتح عليه الباب إلا بعد أن أصبح جثة متعفنة والقناة لا زالت تُبث بجانبه. !!
فهـل يتفكر من أسلم نفسه لشياطين تلك القنوات المدمرة في تلك الخاتمة؟
وهـل يأمن من أطلق لشهوته العنان وأفسد نعمة البصر والعقل التي أنعم الله بها عليه أن تقبض روحه وهي مع هذه الحالة المنكرة.. ؟ !
الآثار السلبية للقنوات الفضائية:
من الواضح أن الآثار الأخلاقية السلبية على مشاهدي تلك القنوات أكثر حدة وأقوى تأثيرًا من الوسائل الإعلامية السابقة؛ إذ إنها تسبب الإدمان على مشاهدتها نظرًا لأساليبها المغرية وتنوعها وتعدد موضوعاتها وإباحيتها، وتجاوزها لكل المحظورات واستخدامها لوسائل التقنية الإعلامية الحديثة ومخاطبتها ــ وهذا هو أخطرها ــ لغرائز الشباب ولغتهم واهتماماتهم ، فقد أشارت الدراسات والأبحاث أن متوسط مشاهدة بعض طلاب الجامعة للتلفزيون ألف ساعة سنويًا في حين أن معدل حضور ساعات الدراسة 600 ساعة ([4]).
ومن الآثار الأخلاقية السيئة لتلك القنوات:
1 ــ شيوع الرذيلة وسهولة ارتكابها، واعتياد الناس على مشاهدتها وهذا ــ لعمر الله ــ أخطر الآثار ؛ إذ إنه مؤذن بالرضا والقبول للمنكرات والفواحش الذي هو استجلاب لغضب الله وعقوبته في الدنيا.
2 ــ تفجير الغرائز وزيادة إلحاحها في نفوس الشباب ،مما يدفعه للبحث عن سبل منحرفة لإشباعها، وأثر ذلك واضح في شيوع الجرائم الأخلاقية من الاغتصاب والتحرش الجنسي، ففي دراسة د.فادية أبو شهبة أشارت أن 20 ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسي ترتكب في مصر سنويًا.
وقال أحمد عبدالله ــ الخبير النفسي : أن 60% من الفتيات والنساء في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي في الطفولة ، وفي تونس استقبلت «رابطة النساء» (صاحبات المهن القانونية) عام 2003م ثمانمائة حالة تعرض للتحرش الجنسي .
ويضيف د.أحمد المجدوب ــ أستاذ علم الاجتماع : أن ما يذاع في المحطات الفضائية والمحطات الأرضية الحكومية أيضًا من «كليبات» عارية، وأفلام فاضحة، وأغانٍ تثير الغرائز سبب لتلك الانحرافات([5]).
3 ــ الفراغ العقائدي والخواء النفسي والروحي، نتيجة اعتياد مشاهدة تلك القنوات، وهذا يؤدي إلى تبدّل القيم التي كانت ضابطًا لنوازع النفس أن تنحرف ، فانتشار تلك القنوات (أحدث اغترابًا ثقافيًا نتج عنه ظهور قيم وصور ثقافية واجتماعية غير التي أعتدنا عليها في الماضي إلى جانب ضخ حجم كبير من المشاعر والسلوكيات الجنسية، مما جعلنا في النهاية أمام مجتمع ضعيف يجري وراء إشباع غرائزه) ([6]) حسب ما ذكر د.علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس.
لـما سبق فلا عجب أن يصرّح أحد القادة الصهاينة «أن السلاح الوحيد الذي يجب أن نستخدمه للانتصار على الفلسطينيين والعرب هو نشر الإباحية الجنسية عن طريق القنوات الفضائية والمجلات وشبكة الإنترنت»، وقد قام الكيان الصهيوني فعليًا بإنشاء قناة فضائية إباحية باللغة العربية موجهة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
([1]) مجلة المجتمع، العدد (1733).
([2]) مجلة المجتمع، العدد (1733).
([3]) مجلة الأسرة، العدد (147) .
([4]) البث المباشر، د.ناصر العمر .