أسباب الانحراف الخُلقي ومعوقـات الاسـتعفاف | الْـمُـعَـوِّق الأول : وسائل الإعلام
مما لاشك فيه أن عصرنا الحاضر هو «عصر الإعلام» ووسائل الاتصال، وأصبح لأجهزة ووسائل الإعلام المكانة الخطيرة في توجيه الشعوب وصياغة مفاهيمها، وتصوراتها وسلوكياتها، وترسيخ القيم والمبادئ ، وما كان ذلك ليكون لو لم يكن لوسائل الإعلام ذلك التأثير المميز على النفس البشرية.
ومن هنا برزت أهمية صلاح تلك الأجهزة وخطورة أن تتحول أهدافها من البناء إلى الهدم ، وأن تصبح وسائلها معاول تخريب وأدوات إفساد.
ومع ما لتلك الأجهزة ــ في الواقع ــ من إيجابيات إلا أنه من الملاحظ أن الهدم فيها أكثر من البناء مما جعلها ــ في غالبيتها ــ أسباباَ للانحراف ومعوقات للاستعفاف ، وذلك وفقًا لما يلي:
الوسيلة الأولى : التلفاز:
ويعتبر من أخطر الوسائل الإعلامية لما له من تأثيرٍ كبير على المشاهد، وذلك لقدرته على جذب الانتباه وتركيزه على دقائق الصور والحركات واللقطات الحية ، ويتضح ذلك من النتيجة العلمية التي ذكرها أحد التقارير العلمية لمنظمة «اليونسكو» أن الإنسان يحصل على معلوماته بنسبة90% عن طريق النظر، وبنسبة 8% عن طريق السمع ، وأن العين تجذبها الحركة أكثر من أي شيء آخر.
كما ثبت أن 28% من الشباب و31% من الشابات يبالغون في مشاهدة التلفزيون في وقت الفراغ في الكويت([1]) ولكن :
- هل قام التلفزيون فعلاً بواجبه كوسيلة فاعلة للثقافة، والتعليم والتوجيه والإرشاد؟
- هل أدرك التلفزيون دوره الخطير في عملية التنشئة الاجتماعية، وتقويم السلوكيات لدفع عجلة التنمية ورقي المجتمع؟
- هل أحسن التلفزيون استغلال سطوته وسلطانه في تدعيم القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية؟
- هل شعر المسؤولون عن الجهاز بضرورة تنقية الإنتاج التلفزيوني من كل ما يتنافى مع قيمنا الدينية والأخلاقية قبل السماح بعرضه على الشاشة حماية للنشء والصغار الذين يلتقطون ويتقمصون ما يشاهدونه…؟
ولقد أوضحت الدراسات أن المشاهدين يتقمصون الشخصيات التلفزيونية، وأن الأطفال يكررون السلوك الذي يشاهدونه على الشاشة، حيث ثبت أن التلفـزيون يؤثر في مفهوم الأطفال عن أمور الحياة وقيمها، كما يؤثر في مشاعرهم وأحاسيسهم، بل إن التأثير السلبي للتلفزيون وصل إلى درجة المساس بالكيان الأسري.
فقد جاء في دراسة د. غلين والتي استندت على استفتاء 20 ألف شخص في السنوات من 1972 م ــ 1976 م، أن نسبة المتزوجين السعداء جدًا في الأعمار من ( 25 ــ 29 ) انخفضت من 44% إلى 32% ويعزو ذلك إلى سببين :
الأول : اتجاه المزيد من النساء للعمل.
والثاني : هو تأثير برامج التلفزيون الشعبية، وذلك أن التلفزيون والسينما يقومان بتجميل صورة الخيانة الزوجية وصورة العزوبية الحرة([2]).
وهذه بعض الحقائق والنتائج العلمية لبعض الدراسات التي تمت حول الموضوع للإجابة عن التساؤلات السابقة :
- يؤكد علماء النفس والاجتماع على أن هناك علاقة ارتباط([3]) بين ازدياد جرائم العنف وازدياد البرامج المليئة بالسلوك الإجرامي وأعمال العنف، وفي دراسة للدكتور «وليام بيلون» العالم الاجتماعي البريطاني ذكر فيها أن الصغار الذين يشاهدون الكثير من برامج العنف في التلفزيون يتسم سلوكهم بالعنف بدرجة تزيد مرتين على أولئك الذين لا يشاهدون إلا القليل منها. ، وثبت أن 39% من الأحداث المنحرفين في أسبانيا قد تلقوا معلوماتهم من الأفلام السينمائية والتلفزيونية.
صحيحٌ أنَّ الكثير إجرامي، ولكن مما لا شك فيه أن تلك المشاهد تؤدي لانحراف من لديه استعداد نفسي لذلك.
- التلفزيون يمكن أن يثير الدوافع: وقد ينتج الشعور بالإحباط؛ لأن البرامج تخلق نوعًا من الإثارة وخصوصًا لغرائز المراهقين الجنسية، كما أنها تستثير عواطف المراهق ولا تهذبها([4]) .
- يحرص التلفزيون على إظهار المرأة بالصورة العاطفية، حيث يستغرقها الحب لفتاها، ويظهر ذلك من خلال الأغاني الغرامية واللقاءات المحرمة ومشاهد الإثارة الجنسية، والتي تفتقر لأي معنىً إنساني أو اجتماعي بنّاء.
وقد أثبتت الدراسات أن السينما المصرية قدمت المرأة في صورة غير لائقة ، فهي منحرفة السلوك أو منحرفة الفكر أو الاثنان معًا.. كما أنها صورت المرأة من زاوية الأنثى المدللة ذات الإغراء والجاذبية الجنسية ، كما ركزت على الجوانب الانحرافين في شخصية الطالبة الجامعية بأنها عاشقة ولهانة دومًا ، وتحولت الجامعة إلى مكان للعشق والانحراف([5])، وترتب على ذلك كثرة مشاهد الإثارة والجنس والعري المبتذل والتي يعرضها التلفزيون بعد موافقة الرقابة..!
وأصبح على الفتاة أن تحل المعادلة الصعبة ، عليها أن تتشبع بهذه الأفلام والصور والأصوات الصارخة بالجنس، وعليها في نفس الوقت ألا تتأثر بها، وإن تأثرت ــ وهذا ما يحدث ــ فعليها أن تخفي هذا التأثر.
ومن الشواهد المفجعة تلك الرسالة التي بعثتها فتاة في سن الثامنة عشرة وتدعى [ن. ن] من دمشق تقول فيها :
«إني أفكر بالانتحار في كل دقيقة، بل في كل ثانية؛ لأنه لا تمضي ساعة واحدة دون أن أشعر بالعاطفة الجنسية الجامحة، تخترق أحشائي كما يخترق الرصاص جسم الإنسان ويقتله، وكلما شاهدت فيلمًا عاطفيًا أو قرأت قصة غرامية تثور عاطفتي وغرائزي »([6]).
- أشار تقرير من الهيئة الصحية العالمية عام 1951م عن انحراف الأحداث قول لأحد القضاة الفرنسيين في ميدان الأحداث: «لا يخالجني أي تردد في أن لبعض الأفلام وخاصة الأفلام البوليسية المثيرة معظم الأثر على أغلبية الأحداث المنحرفين، وإننا لهذا لسنا بحاجة إلى البحث عن أسباب عميقة وراء السلوك الإجرامي عند هؤلاء الأطفال أو المراهقين »([7]).
.. ولا يستطيع أن ينكر أحد أن المسألة الجنسية والمشكلات العاطفية مسؤولة عن جانب كبير من الجرائم والانحرافات الاجتماعية، فضلاً عن أن طريقة عرضها وتصويرها بالتفصيلات والمبالغات تدعو إلى استثارة الشهوات ومزيد من الإلحاح الغريزي لتلبية النداء الجنسي([8]).
لذا فإن من الضروري أن يكون الرقيب التلفزيوني على مستوى عال من الثقافة التربوية والاجتماعية، فضلاً عن الوازع الديني والإحساس بعظم مسؤوليته تجاه ربه ودينه ومجتمعه، ويظل شعاره الدائم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([9]).
ومن الشواهد الواضحة على ذلك ما جاء في تحقيق صحفي لجريـــدة الأنباء الكويتية حول ظاهرة الرسائل الغرامية بتاريخ 29/3/1988 م حين سئل بعض الممارسين لهذه الظاهرة عن أسبابها فقال: «وأظن أنَّ من أهم أسباب قبول البنات بتكوين علاقات عاطفية مع الشباب هو تأثرهم بالمسلسلات العربية التي غالبًا ما تتحدث عن عذاب الحب ».
وقال آخر: « وبصراحة التلفزيون جعلنا نتقن لغة العيون في مخاطبة البنات، وهي لغة صامتة لا يفهمها إلا المحبّون.. »!!
جاء في دراسة «الشباب وبرامج التلفزيون» الكويت سنـة 1972 م أن التلفزيون الكويتي يسبب بعض المشاكل الأسرية بنسبة 60%، كما يرى غالبية المبحوثين أن الهدف الأول للتلفزيون هو الترويح والتسلية ، أما دراسة «التلفزيون وطفل المدرسة المتوسطة عام 1974م» فقد أظهرت أن 66% من الأطفال لا يواجهون أي صعوبة في مشاهدة التلفزيون مقابل 34% يواجهون بعض المنع ، كما أوضحت أن نسبة تقليد الطفل للبطل عالية وهي67% ([10]).
لا شك أن الأمر جدّ خطير ويستحق الالتفاتة الجادة من مسؤولي وزارة الإعلام فهذه مسؤوليتهم أمام الله والمجتمع.
الوسيلة الثانية: دور السينما :
وهي من الوسائل التي لا تقل خطورة عن التلفاز، إن لم تكن أكثر، حيث لا يستطيع المشاهد أن يتحكم بما يراه على الشاشة بل يفرض عليه فرضًا أن يرى الفيلم المعروض كاملاً، وقد ثبت علميًا وجود علاقة بين الأفلام العاطفية ذات القصص الغرامية ووجود الانحرافات الجنسية، فقد أجرت مؤسسة باين عام 1930م دراسات لتأثير السينما على الأطفال، وتوصلت ضمن إحدى نتائجها إلى ما يلي:
من بين 252 من البنات المنحرفات وكلهن في السن (14 ــ 16 ) سنة صرح 25% منهن بأنهن اشتركن في عمليات جنسية مع بعض الرجال عقب تفتح نفوسهن وغرائزهن الجنسية بعد مشاهدتهن فيلمًا لقصة حب عنيفة، وقالت 33% منهن بأنهن عندما هربن من منازلهن كن متأثرات بما شاهدنه في بعض الأفلام، في حين أوضحت 38% منهن أنهن عشن عيشة القلق والوحشة والانقباض([11])، هذا فضلاً عن الآثار الأخرى كالرغبة في حمل المسدس والسرقة والغش، وغيرها من أنماط السلوك المنحرف.
إذا كان هذا الأمر في عام 1930م فماذا نقول عن واقع دور السينما في عصرنا الحاضر، والتي تخصصت فيه بعض الدور لأفلام الخلاعة والجنس الرخيص؟ ! وقلما تعرض أفلامٌ سينمائية دون أن تكون الإثارة إحدى ركائزها، ومن أسباب دعايتها وإعلاناتها.
([1]) دراسة الشباب ووقت الفراغ، الديوان الأميري.
([2]) جريدة القبس الكويتية 4/4/1988م .
([3]) التلفزيون بين الهدم والبناء.
([7]) التلفزيون بين الهدم والبناء، محمد كامل.
([8]) التلفزيون بين الهدم والبناء، محمد كامل.
([10]) دراسة: أثر برامج العنف والجريمة على الناشئة سنـة 1977م، د. عدنان الدوري.