ضعف التربية الأسرية وأثرها في الانحرافات الأخلاقية
الأسرة هي المحضن الذي يتربى فيه الفرد، ويتلقى فيه القيم والأخلاق والسلوك، وتصاغ شخصيته من خلاله، ولأهمية الدور التربوي للأسرة فقد أكد الإسلام على دور الوالدين تجاه تربية الأبناء ورعايتهم، وتوجيههم ومراقبتهم، وحفظهم وإرشادهم في قوله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ ( )، وكذلك في قول رسول الله ﷺ : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…» ( ).
لذا فإن أي تقصير في قيام الأسرة بدورها التربوي ستكون له عواقب وخيمة على سلوك الأبناء، وغالبًا ما ينحرف الأبناء بسبب تخلي الأسرة أو إخفاقها في أداء هذا الدور، وقد وصل التقصير لدى بعض الأسر ــ وللأسف ــ أن الابن يسافر ويغيب عن بيته أيامًا عديدة ويعود لا يُسأل، بل وصل الأمر إلى سفر الفتيات وحدهن أحيانًا دون رقيب!!
قال أحـــد الشباب المدخنين في تحقيق لجريدة السياسة في 4/11/1987م : «إن أولياء أمورنا هم المسؤولون بالدرجة الأولى، فأنا لم أرَ والدي يسألني أين أذهب؟ ومع أي شخص أمشي؟ وحتى لو علم بأني أدخن فلا يعمل شيئًا، وقد وصل الإهمال عند ولي أمري لدرجة أني سافرت في العطلة إلى مصر، وجلست هناك 15 يومًا، وعندما رجعت لم يسألني من أين جئت؟».
وقال الأستاذ فيصل الزامل ( ) : «حدثنــي صــديق شهد ثلاث فتيات مراهقات في مركز النويصيب يردن السفر وحدهن إلى البحرين، فلما أفهمهن المسؤول أن هذا لا يمكن دون مرافق، قالت له إحداهن: تعال معنا، فهزّ المسؤول رأسه والتفتُّ إلى صديقي قائلاً: لا حول ولا قوة إلا بالله. أين أهلهن؟!».
لقد فطن أعداء الأمة الإسلاميـة لمكانة الأسرة لدى الأمة المسلمة، فوجهوا سهامهم لتفريغها من دورها، فقد صرح كرومر ــ رئيس مجلس المستعمرات البريطاني في مصر ــ بقوله: «أريد أن أقضي على ثلاثة: القرآن. والكعبة. والأسـرة».
ولتوضيح هذه الحقائق بصورة ‘علمية، لنستعرض بعض ما جاء في دراسة لإدارة البحوث الاجتماعية والجنائية لمجلس الوزراء عن «الأسرة وانحراف الأحداث» التي تمت على نزلاء سجن الأحداث ودار التربية للشباب في منتصف عام 1978م، وهذه بعض نتائج تلك الدراسة، التي اتضح منها أن الحدث الذي يعيش في ظروف أسرية جيدة يكون أقرب إلى الاستقامة من الحدث الذي يعيش في ظروف أسرية صعبة تعاني فيها الأسرة من التفكك أو انعدام السلطة، وهذا هو التفصيل:
1. في دار التربية اتضح أن 24.4% من أسباب انحراف الأحداث تعود إلى الأسرة، وهي إما بسبب عدم اهتمام الأسرة، أو عدم وجود مأوى مناسب، أو بسبب وجود مشاكل دائمة في الأسرة، أما في سجن الأحداث فكانت نسبة دور الأسرة 13.5%.
2. اتضح أن 81.8% من جملة الأحداث كانت الأسرة على علم بما قاموا به من انحراف، وأن 15.2% منهم لم تكن الأسرة على علم، وكلا النتيجتين ترجع إلى عدم وجود الرقابة الأسرية الفَعَّالة والضبط السلوكي للأبناء، أما في سجن الأحداث فكانت 36.8% من الأسر على علم، و 63.2% لم تكن الأسرة تعلم.
3. أما عن موقف الأسرة من الانحراف فإن اللامبالاة كانت بنسبة 7.1% ، بينما أعلى نسبة كانت 45.2% لموقف التأنيب والمعايرة، أما الضرب أو التهديد بالضرب فكانت نسبته 4.8% وكل هذه المواقف تنم عن غياب الدور التربوي في المعالجة لسلوك الأبناء، وفي سجن الأحداث 57% من الأسر اتبعت أسلوب المعايرة، و33.3% من الأسر اتبعت أسلوب الضرب والتهديد، و4.7% من الأسر وقفت موقف اللامبالاة.
4. اتضح أن صور التقصير في دور الأسرة التربوي يظهر في الأمور التالية:
أ- عدم الاهتمام بالأطفال بدنيًا وخلقيًا.
ب- القسوة.
ت- التذبذب في معاملة الطفل.
5. اتضح أن الأحداث بدار التربية 57.6% منهم الأب والأم لا يعيشان معًا، ويشكل السبب بوفاة الأب 52.6% منهم، بينما الافتراق بالطلاق بين الأب والأم كان بنسبة 31.6%، مما يؤكد على أهمية الاستقرار الأسري في شخصية الحدث واستقامته، وفي سجن الأحداث كانت نسبة من لا يعيش والداهما معًا 33.3% ونسبة الطلاق منها 36.9%.
6. حول تأثير الازدحام في السكن على سلوك الحدث اتضح أن التأثير في عدة نواح منها:
أ- الناحية الجنسية: باختلاط الجنسين في حجرة واحدة وضعف المحافظة على آداب اللياقة حيث تفقد الفتاة حياءها لاضطرارها لخلع ملابسها أمام الآخرين، وكذلك يصعب على الزوجين إخفاء المعاشرة الجنسية تمامًا فينتبه الصغار لهذه المسائل مبكرًا، وقد تحدث تبعًا لذلك بعض الممارسات الشاذة.
ب- الشجار والنزاع.
ت- الازدحام والتوجه للتشرد، وتشجيع الوالدين للأبناء للخروج من المنزل.
ومن الظواهر التي برزت في مجتمعاتنا مؤخرًا كنتائج لضعف التربية الأسرية:
1- ضعف التعايش والتقارب والتآلف بين أفراد الأسرة، وشعور كل فرد بأنه في عالمه الخاص، فالأب في تجارته، والأم في زياراتها، والأولاد في شؤونهم الخاصة.
2- ضعف الأداء التربوي للوالدين، وغياب الدور الرقابي والتوجيهي لهما على الأبناء، بل وكأنهما أسلما أبناءهما لأجهزة الإعلام وغيرها من المنتديات للقيام بهذا الدور نيابةً عنهما.
3- الاستقلالية المبكرة للأبناء، ففيما كان الابن قديمًا يمكث تحت رعاية والده حتى بعد زواجه، وكانت الأسر مشهورة بكثرة عددها وهيمنة الأب أو الجد على أفرادها، أصبحنا نجد أن هذه الاستقلالية والتفلت ــ بتعبير أصح ــ تحدث في سن مبكرة، حتى قبل المراهقة أحيانًا، والأخطر في هذا الأمر هو تفلت الفتيات وخروجهن وفق رغباتهن دون مساءلة من الوالدين.
4- بروز ظاهرة المربيات الأجنبيات، وإحلالهن محل الوالدين في تربية الأبناء، وحدوث ما يسمى «باستقالة الوالدين» من الدور التربوي ومن المؤشرات الخطيرة لهذه الظاهرة ( ):
أ- إن غالبية المربيات من مجتمعات ذات ثقافة غربية وفي مرحلة عمرية أقل من 35 عامًا، مما يؤدي لانتشار أنماط سلوكية غير مرغوبة، مثل شرب الكحول، وممارسة طقوس دينية وثنية، وممارسة الجنس قبل الزواج.
ب- 93% من المربيات دون الإلمام المناسب باللغة العربية، مما أثر على التحصيل المعرفي للأبناء.
ت- اتضح أن 83.5% من الأطفال يشعرون بالاطمئنان مع المربية، وإن 72% منهم يشعرون بالحاجة إليها عند غيابها، و91% يشعرون بأن المربية تعطيهم الاهتمام الكافي.